الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يقول: ما أنكرت إلا ما يكون في الناس.والثاني: أن المخفَّفة من القُدْرَة والملك، والمشدَّدة من التقدير والقضاء.ثم بيَّن لهم صنعه ليعتبروا فيوحِّدوه، فقال تعالى: {ألم نجعل الأرض كِفَاتاً} قال اللغويون: الكفت في اللغة: الضم.والمعنى: أنها تضم أهلها أحياءً على ظهرها، وأمواتاً في بطنها.قال ابن قتيبة: يقال: اكفتْ هذا إليك، أي: ضمه.وكانوا يسمون بقيع الغرقد: كفتة، لأنه مقبرة يضم الموتى.وفي قوله تعالى: {أحياءً وأمواتاً} قولان.أحدهما: أن المعنى: تكفتهم أحياءً وأمواتاً، قاله الجمهور.قال الفراء: وانتصب الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليهم، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفاتَ أحياءٍ وأمواتٍ، فإذا نَوَّنْتَ نصبتَ كما يقرأ {أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة يتيماً} [البلد: 14].وقال الأخفش انتصب على الحال.والقول الثاني: أن المعنى: ألم نجعل الأرض أحياءً بالنبات والعمارة، وأمواتاً بالخراب واليبس، هذا قول، مجاهد، وأبي عبيدة.قوله تعالى: {وجعلنا فيها رواسي} قد سبق بيانه {شامخات} أي: عاليات: {وأسقيناكم} قد سبق معنى (أسقينا)، [الحجر: 22: والجن: 16] ومعنى (الفرات) [الفرقان: 53، وفاطر: 12] والمعنى: أن هذه الأشياء أعجب من البعث.ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة: {إنطلقوا إلى ما كنتم به تكذِّبون} في الدنيا، وهو النار، {انطلقوا إلى ظلٍّ} قرأ الجمهور هذه الثانية بكسر اللام على الأمر.وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وأبو عمران، ورويس عن يعقوب بفتح اللام على الخبر بالفعل الماضي.قال ابن قتيبة و(الظل) هاهنا: ظل من دخان نار جهنم سطع، ثم افترق ثلاث فرق، وكذلك شأن الدُّخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب، فيقال لهم: كونوا فيه إِلى أن يفرغ من الحساب، كما يكون أولياء الله في ظل عرشه، أو حيث شاء من الظل، ثم يُؤْمَرُ بكل فريق إلى مستقرِّه من الجنة والنار {لا ظليل} أي: لا يظلكم من حرِّ هذا اليوم بل يدنيكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس.قال مجاهد: تكون شعبة فوق الإنسان، وشعبة عن يمينه، وشعبة عن شماله، فتحيط به.وقال الضحاك: الشعب الثلاث: هي الضَّريع، والزَّقوم، والغِسْلين.فعلى هذا القول يكون هذا بعد دخول النار.قوله تعالى: {ولا يغني من اللهب} أي: لا يدفع عنكم لَهَبَ جهنم.ثم وصف النار فقال تعالى: {إنها تَرْمي بِشَرَرٍ}، وهو جمع شررة، وهو ما يتطاير من النار متفرقاً {كالقَصْر} قرأ الجمهور بإسكان الصاد على أنه واحد القصور المبنيَّة.وهذا المعنى في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس.وهو قول الجمهور.وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، ومجاهد، وأبو الجوزاء، {كالقَصَر} بفتح الصاد.وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس قال: كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء، فنسميه: القصر.قال ابن قتيبة: من فتح الصاد أراد: أُصول النخل المقطوعة المقلوعة.قال الزجاج: أراد أعناق الإبل.وقرأ سعد ابن أبي وقاص، وعائشة، وعكرمة، وأبو مجلز، وأبو المتوكل، وابن يعمر {كالقَصِر} بفتح القاف، وكسر الصاد.وقرأ ابن مسعود، وأبو هريرة، والنخعي، {كالقُصُر} برفع القاف والصاد جميعاً.وقرأ أبو الدرداء، وسعيد بن جبير {كالقِصَر} بكسر القاف، وفتح الصاد، وقرأ أبو العالية، وأبو عمران، وأبو نُهيك، ومعاذ القارئ، {كالقُصْر} بضم القاف وإسكان الصاد.قوله تعالى: {كأنه جِمَالاَتٌ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم {جِمالاَتٌ} بألف.وكسر الجيم.وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم {جِمَالَةُ} على التوحيد.وقرأ رويس عن يعقوب {جُمَالاَت} بضم الجيم.وقرأ أبو رزين، وحميد، وأبو حيوة، {جُمَالة} برفع الجيم على التوحيد.قال الزجاج: من قرأ: {جِمالات} بالكسر، فهو جمع جِمَال، كما تقول: بُيوت، وبُيوتَات، وهو جمع الجمع، فالمعنى: كأن الشرارات كالجمالات.ومن قرأ {جُمالات} بالضم، فهو جمع {جمالة} ومن قرأ: {جِمالةً} فهو جمع جَمَل وجِمالة، كما قيل: حَجر، وحِجَارة، وذَكَر، وذِكَارَة، وقرئت {جُمالة} على ما فسرناه في جُمالات بالضم.و(الصُّفْر) هاهنا: السود.يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصفرة: إِبل صُفْرٌ.وقال الفراء: الصُّفْر: سود الإبل لا يُرى الأسود من الإبل إلا وهو مُشْرَبٌ صُفْرَةً، فلذلك سَمَّتْ العرب سود الإبل: صُفْراً، كما سَمَّوا الظباء: أدماً لما يعلوها من الظلمة في بياضها.قوله تعالى: {هذا يومُ لا ينطقون} قال المفسرون: هذا في بعض مواقف القيامة.قال عكرمة: تكلَّموا واختصموا، ثم ختم على أفواههم، فتكلَّمت أيديهم، وأرجلهم، فحينئذ لا ينطقون بحجة تَنْفَعُهم.وقرأ أبو رجاء، والقاسم ابن محمد والأعمش، وابن أبي عبلة {هذا يومَ لا ينطقون} بنصب الميم.قوله تعالى: {هذا يوم الفصل} أي: بين أهل الجنة وأهل النار {جمعناكم} يعني: مكذِّبي هذه الأمة و{الأوَّلين} من المكذِّبين الذين كذَّبوا أنبياءَهم {فإن كان لكم كيد فكيدونِ} أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب، أي: إن قَدَرْتُم على حيلة، فاحتالوا لأنفسكم.ثم ذكر ما للمؤمنين، فقال تعالى: {إن المتَّقين في ظِلال} يعني: ظلال الشجر، وظلال أكنان القصور {وعيون} الماء، وهذا قد تقدّم بيانه، إلى قوله تعالى: {كلوا} أي: ويقال لهم: كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون في الدنيا بطاعة الله.ثم قال لكفار مكة: {كلوا وتمتعوا قليلاً} في الدنيا إِلى منتهى آجالكم {إِنكم مجرمون} أي: مشركون بالله.قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا} فيه قولان.أحدهما: أنه حين يُدْعَون إلى السجود يوم القيامة، رواه العوفي عن ابن عباس.والثاني: أنه في الدنيا كانوا إذا قيل لهم: اركعوا، أي صلوا {لا يركعون} أي: لا يصلُّون.وإلى نحو هذا ذهب مجاهد في آخرين، وهو الأصح.وقيل نزلت: في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فقالوا: لا نحني، فإنها مَسَبَّةٌ علينا، فقال: لا خير في دين ليس فيه ركوع.قوله تعالى: {فبأي حديث بعده يؤمنون} أي: إن لم يصدِّقوا بهذا القرآن، فبأيِّ كتاب بعده يصدِّقون، ولا كتاب بعده:!. اهـ.
|